مذكرة تفاهم بين البرلمانيين المغاربة والموريتانيين.. والنعم ميارة يأسف لتعطل مشروع الاندماج المغاربي
قال رئيس مجلس المستشارين المغربي ، النعم ميارة، إن بلاده بقيادة العاهل محمد السادس تدعو إلى تأسيس جوار “بيد ممدودة”، ليس فيه مكان للحدود المغلقة والمعطلة لتنقل الأشخاص والبضائع، مقترحة حكماً ذاتياً للأقاليم الصحراوية أملاً في الطي النهائي لنزاع عمّر طويلا. وأعرب عن أسفه الشديد لواقع استمرار تعطل مشروع الاندماج المغاربي.
واعتبر، في كلمة له بالعاصمة نواكشوط، خلال حفل التوقيع على مذكرة التفاهم بين “مجلس المستشارين” (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) والجمعية الوطنية الموريتانية ، أن هذا المقترح الذي وصف في كل قرارات مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2007 بـ”الجدي وذي المصداقية”، يقدم ملامح حل سياسي متفاوض بشأنه ونهائي لنزاع يعرف الجميع بداياته وملابساته وتطوراته، مؤكداً أن المغرب يأمل، من خلال هذا المقترح، نزع فتيل التوتر المفتعل في المنطقة وبين الحدود، والمساهمة في خلق فضاء آمن خال من الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والبشر ونشاط الجماعات الإرهابية.
وذكر النعم ميارة بأهمية استعادة المملكة المغربية لمقعدها الطبيعي المؤسسي داخل العائلة الإفريقية التي كانت جزءا هاما في جمعها التأسيسي الأول الذي اتخذ صورة “منظمة الوحدة الأفريقية”، وغادرتها مكرهة، لأن المقعد الواحد ـ كما قال ـ لا يسع لشخصين، وعادت إليها، بعدما بددت الحقيقة سراب الوهم، باقتناع عواصم عديدة، بمحورية دور المملكة، في القارة، وسمو الرسالة التي تحملها وتدعو إليها.
وأضاف المسؤول المغربي أن هذه العودة عزّزت دينامية اقتصادية وسياسية شعارها جنوب- جنوب لتبادل الخبرات والتجارب، سمحت بميلاد تعاون بشراكة رابح/ رابح.
واعتبر أن علاقات المغرب بأفريقيا تمرّ بالضرورة عبر علاقات قوية مع الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والتي تعززت في آذار/ مارس الماضي بانعقاد أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة، آملا أن تشكل مخرجاتها دفعا قويا للعلاقات الثنائية للبلدين، لا سيما على المستوى الاقتصادي، حيث إن الأرقام المسجلة في هذا الإطار بالرغم من أهميتها، فإنها لا ترقى لطموح وتطلعات بالبلدين قياسا بكل الإمكانات المتاحة، المعززة بتنوع طرق الربط بين البلدين، لا سيما معبر “الكركرات”.
وبعد أن عدّد المؤهلات والإمكانات الطبيعية الهامة والطاقات البشرية الواعدة التي وجب التفكير في كيفية استثمارها في مشاريع سياسية واقتصادية مدارها الإنسان وغايتها التنمية، عبّر عن أسفه الشديد لواقع استمرار تعطل مشروع الاندماج المغاربي، مؤكدا أن “هذا الحلم الكبير الذي صاغ الآباء معالمه الأولى، وفشل الخلف في الدفع بها، نحو خلق كيان جهوي قوي، يضاهي نظيره في الضفة الأخرى من المتوسط، أو مثيله تكتل دول غرب افريقيا”.
وأضاف أن كلفة هذا الوضع “أننا ما زلنا نواجه مصيرنا المشترك، دون إطار مشترك، وإنما دولا فرادى تغيب عنها القوة التفاوضية المؤثرة”.
واوضح النعم ميارة أن عالم اليوم لم يعد عالم الدول القطرية، ولا عالم الدول الخطأ، ولا عالم الدول الفاشلة، ولا عالم الكيانات الوهمية الموجودة في تراث “الحرب الباردة”، وإنما عالم التكتلات المجمعة للقدرات والإمكانات المتوفرة على سوق واسعة للعرض وللطلب، القادرة على مقاومة ومجابهة تقلبات اقتصادية ومالية عاصفة.
وذكر بما عاشه العالم خلال السنوات الأخيرة، بدءا من محنة الأزمة المالية والأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد، والأزمة الطاقية والغذائية التي كانت من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، معتبرا أن توالي هذه الأزمات “يسائل مؤسساتنا، ويسائل مشاريعنا السياسية والاقتصادية، ويسائل تصورات نخبتنا ونظرتها إلى عالم اليوم والغد”.
ووفق رئيس مجلس المستشارين المغربي، فإن هذه التحديات المطروحة تدفعنا كممثلين عن مؤسستين دستوريتين، إلى تطوير أدوات اشتغالنا، لكون الديبلوماسية البرلمانية، لم تعد ترفا، أو أداة تكتفي فقط باقتفاء خُطى وأثر الديبلوماسية الرسمية، بل إن توفرها على عديد مقومات، يجعلها مطالبة بلعب دور أكبر من المعتاد. فهي، أي الديبلوماسية البرلمانية، تعبّر ـ حسب رأيه ـ عن مؤسسات تشريعية وطنية، بتركيبة منتخبة مستمدة تمثيلها من الأمة، ولها من الأدوار والاختصاص، ما يجعلها في قلب الأنظمة الدستورية.
وفي ختام كلمته، جدد النعم ميارة أمله في أن تشكّل زيارة الوفد البرلماني والتوقيع على مذكرة التفاهم بين المؤسستين التشريعيتين نقطة تحول عميقة في علاقات مؤسستي البلدين، التي نطمح ـ كما قال ـ أن تكون علاقات منتظمة، بأجندة عمل محددة، وبآليات للاشتغال قائمة ومفعلة، وأن نوظف الروابط التي تنحدر منها تركيبة مجلس المستشارين، لتجسير العلاقات مع الأوساط الاقتصادية والاجتماعية والمدنية الموريتانية، لكون هذه الروابط، يقول المتحدث، هي التي تغير السياسات، وتدفع بالشراكات الاقتصادية، وتعيد النظر في الصور والكليشيهات الجاهزة، وتخلق رأيا عاما، مطلعا على حقيقة الأشياء، والرهانات المرتبطة بها والتحديات التي تطرحها.
وشدد المتحدث على الإرادة القوية والرغبة الأكيدة لمجلس المستشارين في دعم كل مبادرات التي من شأنها تقوية علاقات المؤسستين أو تعضيد العلاقات بين البلدين، في ظل الرؤية المشتركة التي تجمع بين العاهل محمد السادس والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وتجدر الإشارة إلى أن زيارة الوفد البرلماني المغربي بقيادة رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة إلى نواكشوط، تأتي استجابة لدعوة من نظيره رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، وتهدف إلى تعزيز وتمتين الروابط الأخوية المشتركة الوطيدة للشعبين والبلدين، وتدعيم الدينامية المتميزة التي تشهدها العلاقات المغربيةـ الموريتانية، وكذلك تعميق مستوى التعاون المؤسساتي البرلماني القائم الجانبين بما يخدم ويوطد العلاقات الثنائية للبلدين، والارتقاء بها إلى مستوى أفضل لمجابهة التحديات المشتركة على جميع الأصعدة.
نقلا عن : القدس العربي